فصل: تفسير الآية رقم (128):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}.
لما استزادوا من فرعون في التمكين من موسى وقومه استنكف أن يقر بعجزه، ويعترف بقصور قدرته، فتوعد موسى وقومَه بما عكس الله عليه تدبيره، وغلب عليه تقديره. اهـ.

.تفسير الآية رقم (128):

قوله تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا أمرًا يزيد من قلق بني إسرائيل لما شموا من رائحة الفرج، استأنف سبحانه الخبر عما ثبتهم به موسى عليه السلام قائلًا: {قال موسى لقومه} أي بني إسرائيل الذين فيهم قوة وقيام فيما يريدون من الأمور لو اجتمعت قلوبهم {استعينوا} أي ألصقوا طلب العون {بالله} الذي لا أعظم منه بما يرضيه من العبادة {واصبروا} ثم علل ذلك بأنه فعال لما يريد، ولا اعتراض عليه ولا مفر من حكمه فقال: {إن الأرض} أي كلها مصر وغيرها {لله} أي الذي لا أمر لأحد معه، كرره تذكيرًا بالعظمة وتصريحًا وتبركًا؛ ثم استأنف قوله: {يورثها من يشاء من عباده}.
ولما أخبر أن نسبة الكل إليه واحدة، أخبر بما يرفع بعضهم على بعض فقال: {والعاقبة} أي والحال أن آخر الأمر وإن حصل بلاء {للمتقين} أي الذين يقون أنفسهم سخط الله بعمل ما يرضيه فلا عبرة بما ترون في العاجل فإنه قد يكون استدراجًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{استعينوا بالله واصبروا إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} فهاهنا أمرهم بشيئين وبشرهم بشيئين.
أما اللذان أمر موسى عليه السلام بهما؛ فالأول: الاستعانة بالله تعالى.
والثاني: الصبر على بلاء الله.
وإنما أمرهم أولًا بالاستعانة بالله وذلك لأن من عرف أنه لا مدبر في العالم إلا الله تعالى انشرح صدره بنور معرفة الله تعالى وحينئذ يسهل عليه أنواع البلاء، ولأنه يرى عند نزول البلاء أنه إنما حصل بقضاء الله تعالى وتقديره.
واستعداده بمشاهدة قضاء الله، خفف عليه أنواع البلاء، وأما اللذان بشر بهما؛ فالأول: قوله: {إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وهذا إطماع من موسى عليه السلام قومه في أن يورثهم الله تعالى أرض فرعون بعد إهلاكه، وذلك معنى الإرث، وهو جعل الشيء للخلف بعد السلف.
والثاني: قوله: {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} فقيل: المراد أمر الآخرة فقط، وقيل: المراد أمر الدنيا فقط وهو: الفتح، والظفر، والنصر على الأعداء، وقيل المراد مجموع الأمرين، وقوله: {لّلْمُتَّقِينَ} إشارة إلى أن كل من اتقى الله تعالى وخافه فالله يعينه في الدنيا والآخرة. اهـ.

.قال السمرقندي:

{قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله} يعني سلوا الله التوفيق {واصبروا} يعني: اصبروا على أذاهم حتى يأتيكم الفرج {إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} يعني: أرض مصر ينزلها من يشاء من عباده ويقال الجنة قرأ عاصم في رواية حفص بالتشديد.
وقرأ الباقون بالتخفيف.
وهما لغتان ورّث وأوْرَث بمعنى واحد.
ثم قال: {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} أي الذين يعملون في طاعة الله تعالى على نور من الله مخافة عقاب الله ورجاء ثواب الله تعالى، أي آخر الأمر لهم.
وروي في الخبر أن مسيلمة الكذاب كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد.
فإن الأرض بيني وبينكم نصفان إلا أن العرب قوم يظلمون الناس فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ مُحَمَّد رَسُولِ الله إلى مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ. أمَّا بَعْدُ فَإنَّ الأرْضَ لله يُورِثُها مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ». اهـ.

.قال الثعلبي:

{قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله واصبروا إِنَّ الأرض للَّهِ} يعني أرض مصر {يُورِثُهَا} يُعطيها {مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وقرأ الحسن يورثها بالتشديد والاختيار والتخفيف لقوله تعالى: {وأورثنا} الأرض {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} يعني النصر والظفر، وقيل: السعادة والشهادة، وقيل: الجنّة.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: لما آمنت السحرة اتّبع موسى ست مائة ألف من بني إسرائيل. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه أمرهم بذلك تسلية لهم من وعيد فرعون كما يقول من نالته شدة: استعنت بالله.
والثاني: أنه موعد منه بأن الله سيعينهم على فرعون إن استعانوا به.
ثم قال: {وَاصْبِرُواْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: واصبروا على ما أنتم فيه من الشدة طمعًا في ثواب الله.
والثاني: أنه أمرهم بالصبر انتظارًا لنصر الله.
{إنَّ الأَرْضِ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه قال ذلك تسلية لقومه في أن الدنيا لا تبقي على أحد فتبقي على فرعون لأنها تنتقل من قوم إلى قوم.
والثاني: أنه أشعرهم بذلك أن الله يورثهم أرض فرعون.
{وَالْعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يريد في الآخرة بالثواب.
والثاني: في الدنيا بالنصر. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا}.
لما قال فرعون سنقتل أبناءهم وتوعدهم قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل يثبتهم ويعدهم عند الله: {استعينوا بالله واصبروا} وظاهر هذا الكلام كله وعد بغيب فكأن قوته تقتضي أنه من عند الله وليس في اللفظ شيء من ذلك و{الأرض} أرض الدنيا وهو الأظهر، وقيل المراد هنا أرض الجنة، وأما في الثانية فأرض الدنيا لا غير، وقرأت فرقة {يورَثها} بفتح الراء، وقرأ السبعة {يوْرِثها} ساكنة الواو خفيفة الراء مكسورة، وروى حفص عن عاصم وهي قراءة الحسن {يورّثها} بتشديد الراء على المبالغة، والصبر في هذه الآية يعم الانتظار الذي هو عبادة والصبر في المناجزات. اهـ.

.قال القرطبي:

ولما بلغ قوم موسى من فرعون هذا قال لهم موسى: {استعينوا بالله واصبروا إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ} أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر.
{والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} أي الجنة لمن اتقى وعاقبة كل شيء.
آخره.
ولكنها إذا أطلقت فقيل: العاقبة لفلان فُهِم منه في العُرْف الخير. اهـ.

.قال الخازن:

{قال موسى لقومه} يعني لما شكوا إليه {استعينوا بالله واصبروا} يعني استعينوا بالله على فرعون وقومه فيما نزل بكم من البلاء فإن الله هو الكافي لكم واصبروا على ما نالكم من المكاره في أنفسكم وأبنائكم {إن الأرض لله} يعني أرض مصر وإن كانت الأرض كلها لله تعالى: {يورثها من يشاء من عباده} وهذا إطماع من موسى لبني إسرائيل أن يهلِك فرعون وقومه ويملك بني إسرائيل أرضهم وبلادهم بعد إهلاكهم وهو قوله تعالى: {والعاقبة للمتقين} يعني أن النصر والظفر للمتقين على عدوهم، وقيل أراد الجنة يعني إن عاقبة المتقين الصابرين الجنة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا}.
لما توعّدهم فرعون جزعوا وتضجّروا فسكنهم موسى عليه السلام وأمرهم بالاستعانة بالله وبالصبر وسلاهم ووعدهم النصر وذكرهم ما وعد الله بني إسرائيل من إهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم.
{إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} أي أرض مصر وأل فيه للعهد وهي {الأرض} التي كانوا فيها، وقيل: {الأرض} أرض الدّنيا فهي على العموم، وقيل: المراد أرض الجنة لقوله: {وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء} وتعدّى {استعينوا} هنا بالباء وفي {وإياك نستعين} بنفسه وجاء اللهم إنا نستعينك.
{والعاقبة للمتقين} قيل: النصر والظفر، وقيل: الدار الآخرة، وقيل: السعادة والشهادة، وقيل: الجنة، وقال الزمخشري: الخاتمة المحمودة {للمتقين} منهم ومن القبط وإنّ المشيئة متناولة لهم انتهى، وقرأت فرقة {يورثها} بفتح الراء، وقرأ الحسن {يورثها} بتشديد الراء على المبالغة ورويت عن حفص، وقرأ ابن مسعود وأبيّ {والعاقبة} بالنصب عطفًا على {إن الأرض} وفي وعد موسى تبشير لقومه بالنصر وحسن الخاتمة ونتيجة طلب الإعانة توريث الأرض لهم ونتيجة الصبر العاقبة المحمودة والنصر على من عاداهم فلذلك كان الأمر بشيئين ينتج عنهما شيئان.
قال الزمخشري: فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الذي قبلها؟ قلت: هي جملة مبتدأة مستأنفة وأما {وقال الملأ} فمعطوفة على ما سبقها من قوله: {قال الملأ من قوم فرعون} انتهى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ موسى لِقَوْمِهِ}.
تسليةً لهم وعِدةً بحسن العاقبة حين سمعوا قولَ فرعون وتضجّروا منه {استعينوا بالله واصبروا} على ما سمعتم من أقاويله الباطلة {إِنَّ الأرض للَّهِ} أي أرضَ مصرَ أو جنسَ الأرض وهي داخلةٌ فيها دخولًا أوليًا {يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} الذين أنتم منهم وفيه إيذانٌ بأن الاستعانةَ بالله تعالى والصبرَ من باب التقوى وقرئ {والعاقبةَ} بالنصب عطفًا على اسم إن. اهـ.